Qfgdh

Qfgdh

Contact information, map and directions, contact form, opening hours, services, ratings, photos, videos and announcements from Qfgdh, Art, .

28/01/2020

"مالم أكتب أجنّ". هي مقولة خلدونية خالدة، يُستشفّ منها إلى أي مدى، تغدو الكتابة سلاحًا ضدّ صنوف الغبن الوجودي، والاستبداد والتوحّش الذي يحاول قطع الطريق على خطاب العقل، بحيث ينحصر الهمّ في رعاية الإيديولوجية المنتصرة لرموز السلطة، ليس إلاّ.

كتابة تذكي فتيلها، العزلة وراء القضبان، فتثمر من دون شك، لحظات انقلابية ارتجالية مقارعة لفصول الظلامية والتخلف والجهل والسلبية والنقصان.

وكما هو مأثور عن ديكارت قوله "أنا أفكر إذن أنا موجود". التفكير تلكم الصفحة السرية أو البياض الذهني القبلي الممهّد، لفعل الكتابة.

إن الإبداع في إحدى تجلياته، ليس سوى صفقة جديدة مع الذات المبدعة، رامية إلى تشكيل وعي جديد بالواقع، ومن ثم تجاوزه.

يُعرف الشاعر البغدادي أبو الحسن علي أبو عبدالله بن زريق المتوفى سنة 420 للهجرة، مثلما هو متداول لدى مؤرخي الأدب العربي، بهجرته المأساوية إلى بلاد الأندلس، طلبًا لحياة الرغد والرفاه، بحيث يفارق خليلة تبادله الحب والإخلاص في الزيجة.

يخرجه من بغداد حلم الكتابة المخلّصة، بل وهم قصيدة العمر، على نحو، ربما يتيح له العيش الكريم أقلّه.

هكذا يتعثّر بخيباته في بلاط ممدوحه الأمير الأندلسي أبو الخير عبدالرحمن، اختبارًا من هذا الأخير له، بما يرتقي فوق الشعر خصوصًا والأدب عمومًا، فوق أيّ مقابل، ويسمه بطابع الرمزية الأبدي، إلاّ إذا تأكّد جنون الكتابة وإدمانها، دونما تلوّن بالنوايا التكسبية والاسترزاقية، حينها تفتح خزائن الجود ويجزل العطاء ويكتمل الإغداق.

بيد أن ما فجّر الشعر كما يجب، في ذات مطعونة بفراق الخلّ، تكابد عتمة الأقاصي ووجع المنفى، تمامًا مثلما هو بين وصريح، في عينية بن زريق، ليس التدرّج الإبداعي وتجويده في حضرة الأمير المذكور، وإنّما اللوعة والصبابة ممسوسة بنوبات الداء، حسرة وندامة على هجر الزوجة الودود المخلصة القانعة، ومن ثمّ افتقادها واشتعال الحنين إلى دفء حضورها.

تؤخذ قصيدة العمر، من تحت رأس بن زريق، الميت كمدًا واشتياقًا، وكأنما توحي بولادة صاحبها الثانية، ليخلد في برزخيته ساخرًا من عبثية هجرته تلك، وكيف أنه لم يفطن إلى أكبر وأثمن نعمة، خليلته ومُلهمته، مع أنه اللبيب الأشعر الذي ذيل حياته بعينية طافحة بمشاعر الجنائزية والاغتراب.

قصيدة لم يكتبها لذاته، فكان أن ترنّم بها الجيل الذي كفّنه ودفنه وتلطّخ بمرارة مُصابه العجائبي، قدْرًا لا يقلّ عن غرابة محياه، كما هو معلوم.

يقول مطلع عينية بن زريق:

Website